الميثاق العربي لحقوق الإنسان مترجم إلى الإسبانية

This article is not available in English, but the Arabic version is available

كيف يمكن أن نفسر مبادرة مجموعة من الأساتذة والمتخصصين في حقوق الإنسان من الجامعات الإسبانية والأمريكية والأوروبية بالقيام بترجمة الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 2004 إلى اللغة الإسبانية؟

كيف نفسر هذه المبادرة العلمية الرائدة مقابل ردود الفعل "السلبية" و"المتشائمة" التي انعكست وقتها في العديد من المقالات التي نٌشرت بمناسبة بدء سريان الميثاق العربي لحقوق الإنسان في 16/3/2008، وهو الميثاق الذي اعتمدته القمة العربية بتونس في 23/5/2004؟ بل طُرحت العديد من التعليقات، وكذلك مجموعة من التساؤلات عن مغزى اعتماد مثل هذا الميثاق وفائدته وأهميته، بحجة أن بعض الدول العربية التي صادقت عليه تنتهك حقوق الإنسان، هذا من جهة. كما أن هذه الدول سبق وصادقت على مواثيق واتفاقيات دولية لحقوق الإنسان مشابهة للميثاق العربي، من جهة ثانية1.

وكان صعبا أن نقرأ هذه المقالات والتعليقات، وبخاصة تلك التي كُتبت بأقلام "نشطاء" حقوق الإنسان أو من "المدافعين" عنها في العالم العربي!

وسبق أن تساءلنا وقتها: كيف غاب عن هؤلاء النشطاء والمدافعين أن التصديق و/أو الانضمام إلى ميثاق أو اتفاقية دولية لحقوق الإنسان لا يمنع أو يحول دون التصديق و/أو الانضمام على اتفاقية إقليمية تحمي هذه الحقوق وتدافع عنها. ونود أن نعرف ردة فعلهم إزاء مصادقة كل دول منظمة مجلس أوروبا على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950، وقد سبق أن صادق معظمهم على أهم الاتفاقيات الدولية التي اعتمدتها الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان، أو مصادقة دول منظمة الدول الأمريكية على الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969، وقد صادقوا أيضا على هذه الاتفاقيات الدولية، وهو حال معظم الدول في الاتحاد الأفريقي التي صادقت على العديد من الاتفاقيات الدولية، وكذلك على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981؟

وإذا كنا نوافق على أن بعض الدول العربية التي صادقت على الميثاق العربي لحقوق الإنسان تنتهك هذه الحقوق ولا تحترمها، فيجب أن نسجل أيضا بأن بعض الدول الأوروبية أو الأمريكية أو الإفريقية التي صادقت على الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان تنتهك هذه الحقوق، وسجلها ليس نظيفا، وتشوبه الشوائب على الرغم من مصادقتها والتزامها بهذه الاتفاقيات، ويشهد على ذلك ما تصدره المحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان مثل: المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان، والمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان من قرارات وأحكام تبين انتهاك الدول التي صادقت على الاتفاقيات الإقليمية لنصوصها وأحكامها.

ونوضح مجددا بهذه المناسبة، بأن دخول الميثاق العربي لحقوق الإنسان وضع في متناول كل النشطاء والمدافعين والمهتمين بقضايا حقوق الإنسان وسيلة إضافية في مواجهة الدول العربية التي صادقت على الميثاق العربي (وعددها اليوم 16 دولة عربية من أصل 22 دولة أعضاء في جامعة الدول العربية)، وبخاصة تلك التي لا تحترم نصوصه وأحكامه، وأصبحت الحجة الآن على هذه الدول وليس لصالحها طالما صادقت على الميثاق، ويحق لنا أن نطرح عليها الأسئلة ونستفسر منها في كل مرة تنتهك هذه النصوص والأحكام كونها التزمت بها طواعية.

ولعلنا نعود إلى موضوع ترجمة الميثاق العربي لحقوق الإنسان إلى اللغة الإسبانية لنبين بأن القصة تعود لعام 2005، وبالضبط إلى الشهر التاسع من ذلك العام حين تلقيت دعوة من عميد كلية الحقوق بجامعة بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية لعرض هذا الميثاق وشرح مواده وآليته على أساتذة هذه الكلية. وتمت هذه الدعوة بفضل مبادرة طيبة من قبل البروفسورة (سوزان أكرم)، من أساتذة هذه الكلية والتي تعرفت عليها في تسعينيات القرن الفائت حين شاركت بإحدى دورات المعهد الدولي لحقوق الإنسان بمدينة ستراسبورغ، وكنت لا أزال أمارس عملي فيه كباحث ومسؤول عن البرنامج العربي. وبقيت على تواصل معها لإعلامها بآخر المستجدات بخصوص قضايا حقوق الإنسان في العالم العربي، ولم أتأخر بالطبع بإعلامها باعتماد الميثاق العربي لحقوق الإنسان عام 2004. لبيت بكل سعادة هذه الدعوة، وعرضت على أساتذة كلية الحقوق بجامعة بوسطن في 20/10/20052، مختلف مواد هذا الميثاق العربي وآليته باللغة الإنكليزية بالطبع معتمدا على النص العربي للميثاق. كما عرضت، ولكن هذه المرة بالعربية، وفي 31/10/2005، مضمون هذا الميثاق العربي، على الطلاب من الدول العربية الدارسين في (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)3، وذلك بناء على طلبهم.

وخطر ببالي، وبمناسبة إلقاء هذه المحاضرات، فكرة: لماذا لا نترجم مختلف مواد هذا الميثاق العربي وآليته باللغة الإنكليزية بالطبع بالاعتماد بالطبع على النص العربي للميثاق. ولم تكن جامعة الدول العربية قد اعتمدت بعد الترجمة الإنكليزية التي قامت بها المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بالإضافة للترجمة إلى الفرنسية والتي تمت عام 2004. ورحبت البروفسورة (أكرم) بالفكرة وقمت بالفعل بهذه الترجمة بالتعاون مع طالبة فرنسية تدرس وقتها في كلية الحقوق بجامعة بوسطن. وأعددت أيضا مقدمة بخصوص هذا الميثاق وتاريخ تحضيره واعتماده، وقامت البروفسورة (أكرم) بمراجعة الترجمة، وسعيا منا لنشر هذه الترجمة، فقد تم عرضها على إدارة تحرير على مجلة القانون الدولي للجامعة التي رحبت بالفكرة وقامت لاحقا بنشرها4.

وكانت المفاجأة، ومن خلال التواصل الدائم بين البروفسورة (أكرم) وبيني، أن عرضت على فكرة ترجمة الميثاق العربي لحقوق الإنسان للغة الإسبانية، وأوضحت بأنه أستاذة من جامعة (دي مرسيا) بإسبانيا، وأحد الباحثات الإسبانيات سيقومون بهذه الترجمة، وستشرف هي على مراجعتها كونها تتقن الإسبانية أيضا، والمطلوب مني أن أجيب على بعض الأسئلة المتعلقة بالترجمة بالرجوع إلى الأصل العربي للميثاق، ورحبت جدا بهذه الفكرة، وبقينا نعمل على الترجمة عدة أسابيع إلى أن خرجت أخيرا وأصبحت في متناول قراء اللغة الإسبانية5.

تساءلت في بداية المقالة عن الأسباب التي دفعت بمجموعة من الأساتذة والمتخصصين في حقوق الإنسان من الجامعات الإسبانية والأمريكية، وبالتحديد جامعة (بوسطن)6 في الولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة (دي مرسيا) في إسبانيا، وباحثين في جامعات أوروبية7 بترجمة هذا الميثاق العربي إلى اللغة الإسبانية؟

وأجيب ختاما ومن دون أي تردد على السؤال الذي طرحته في البداية، بأن رغبة هؤلاء الأساتذة والباحثين بنشر ثقافة حقوق الإنسان باللغة الإسبانية، ووضع تحت تصرف طلابهم والبحاثة في جامعاتهم والناطقين بالإسبانية كل الوثائق المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وبلغتهم أساسا، وفتح كل النوافذ على ثقافات الشعوب الأخرى، وإخلاصهم للأمانة العلمية التي تطبع مختلف نشاطاتهم وتتطلب منهم أن يلموا بكل ما تم تحقيقه من إنجازات في مجال حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وبغض النظر عن الحكم على هذه الإنجازات أو تقيمها، بل يجب التعرف عليها أولا لننتقل بعدها للتقييم وحتى للنقد وهذا من حقهم؛ أقول بأن كل هذه الأسباب مجتمعة شكلت برأي المتواضع الحوافز لهم للقيام بهذه الترجمة، وتكريس الوقت والجهد اللازمين، وبالطبع من دون أي مقابل كان. فهل نحن على قدر هذه المبادرة، وهل ستشكر جامعة الدول العربية هؤلاء الأساتذة على ما قاموا به وتقدر لهم هذه المبادرة وتشيد بها، أم أنها ستذهب هذه المبادرة في غياهب النسيان كغيرها من المبادرات التي لم يتم تقديرها ولا الإشادة بأصحابها؟

نرجو أن تلفت هذه مبادرة ترجمة الميثاق العربي لحقوق الإنسان إلى الإسبانية أنظار الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وإدارة حقوق الإنسان في هذه الأمانة العامة، وقطاع الإعلام والاتصال في الجامعة، ولجنة حقوق الإنسان العربية (لجنة الميثاق) التي أسسها الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وأن يتم إرسال رسالة شكر لمن قام بهذه الترجمة، وأن يتم نشرها على موقع الجامعة، وهذا أضعف الإيمان.

وأخيرا، سيتم نشر هذه الترجمة الإسبانية للميثاق العربي لحقوق الإنسان في العدد الثالث والجديد من المجلة العربية للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان المنتظر صدوره في نهاية هذا العام، وهي المجلة التي يصدرها المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ومقره مدينة ستراسبورغ بفرنسا.



[1] انظر تعليقنا على ردود الأفعال هذه في: محمد أمين الميداني، "الميثاق العربي هل يكون صافرة البداية لحقبة جديدة في العالم العربي؟"، في: محمد أمين الميداني، حقوق ومواقف، الطبعة الرابعة، منشورات المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ستراسبورغ، 2020، ص 163 وما بعدها.

[2] ألقيت محاضرة بالإنكليزية في اليوم السابق أي يوم 19/10/2005، وبناء على دعوة المسؤولة عن برنامج حقوق الإنسان والدراسات القانونية الإسلامية التابع لكلية حقوق جامعة هارفارد، بعنوان: الدول الإسلامية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان: المادتان 16 و18 نموذجا.

[3] Massachusetts Institute of Technology.

[4] انظر:
Mohammed Amin Al-Midani and Mathilde Cabanettes, Revised by Professor Susan M. Akram, « Arab Charter on Human Rights 2004 », Boston University International Law Journal, Volume 24, fall 2006, Number 2, pp. 147-164.

[5] يمكن الاطلاع على هذه الترجمة الإسبانية على رابط المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، تاريخ النشر 16/8/2020:
www.acihl.org

[6] Prof. Susan M. Akram, Clinical Professor of Law, School of Law, Boston University, USA.

[7] Mrs. Montserrat Altamirano Fernández, BA in Law, National Autonomous University of México. Lawyer and Professional Translator. Currently working with the Center for Mexican Studies of the same University at the Boston headquarters. She also did advanced studies in International Law at UvA, Amsterdam, Netherlands.
Estrada-Tanck, Assistant Professor of International Law and International Relations, Director of the Legal Clinic, Faculty of Law University of Murcia, Spain Universidad de Murcia, Spain.

back